يعيد الكاتب آرون ديفيد ميلر قراءة زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت افتتح تاريخ اللقاءات الأميركية السعودية في فبراير 1945 عندما زار الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود. يرى ميلر أن علاقة دونالد ترامب بمحمد بن سلمان تُعد الأكثر حساسية وتأثيرًا بين الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، خصوصًا أن ترامب يستضيفه في واشنطن لمناقشة الأمن والاقتصاد والتفاهمات حول اتفاق دفاعي ثنائي وإمكان دفع مسار التطبيع السعودي–الإسرائيلي.
توضح مؤسسة كارنيجي أن ترامب مُعجب بالسعودية، ومتغافل عن سجلها الحقوقي، ومندفع نحو صفقات مالية كبرى، وساعٍ لاتفاق يقدّمه كجزء من إرثه الدبلوماسي. لكن ميلر يؤكد أن هدف محمد بن سلمان ليس التطبيع مع إسرائيل، بل إعادة تقديم نفسه كقائد دولي “عادي” وشريك موثوق لدى واشنطن.
شراكة عمرها سبعة عقود.. وقيودها لا تزال حاضرة
يستعرض الكاتب تاريخ العلاقة الأميركية السعودية، بوصفها ركيزة أساسية في سياسات واشنطن الشرق أوسطية طوال سبعين عامًا، حيث فرضت الطاقة ومكافحة الإرهاب والأمن الخليجي والتعاون الاستخباراتي نفسها كمحرّكات للمصالح المشتركة. لكن مساحات الخلاف ظلّت واسعة: من سياسات النفط إلى ملف اليمن، ومن حقوق الإنسان إلى علاقات الرياض مع الصين وروسيا.
يقول ميلر إن وصف السعودية بـ"الحليف" غير دقيق، لأن الحليف وفق التعريف الأميركي دولة تتقاطع معها المصالح والقيم ويتمتع التعاون معها بقبول شعبي داخلي. بينما تظهر السعودية شريكًا استراتيجيًا تتقاطع مصالحه مع واشنطن بشكل “موسمي”. ولهذا يحذّر الباحث من الاندفاع نحو التزامات دفاعية واسعة في أي اتفاق جديد، لأن المصالح لا تتطابق بصورة متواصلة.
محمد بن سلمان يناور.. من واشنطن إلى بكين وموسكو
يسرد ميلر استراتيجية بن سلمان الخارجية، إذ يسعى إلى تحالف مع الولايات المتحدة لكنه يوازي ذلك ببناء روابط مع روسيا والصين في الطاقة والتقنية والاستثمار، إضافة إلى المصالحة مع إيران لضمان بيئة خليجية مستقرة تدعم مشروعاته الاقتصادية.
ينسب الكاتب هذا التوازن إلى رؤية بن سلمان للسياسة الأميركية بوصفها غير ثابتة. يستشهد بانعطافات إدارة باراك أوباما، ومواقف جو بايدن العدائية في بداياته تجاه ولي العهد بعد مقتل جمال خاشقجي، وارتباك رد واشنطن على ضربات إيران لمصافي النفط السعودية عام 2019. يؤكد ميلر أن بن سلمان لن يقطع علاقاته مع موسكو أو بكين ولن يتحوّل إلى رأس حربة أميركية أو إسرائيلية ضد إيران. كما يوضح أن واشنطن إذا رغبت في “استعادة” السعودية بعيدًا عن النفوذ الصيني والروسي، فعليها الاعتراف بأن ولي العهد يتصرف وفق منطق استقلالية القرار.
يُذكّر الكاتب بأن ما يسعى إليه بن سلمان حاليًا هو وعد دفاعي أميركي مُلزِم، يشبه المادة الخامسة في معاهدة الناتو. آخر اتفاقية دفاعية بهذا المستوى وقّعتها واشنطن كانت مع اليابان عام 1960. ويُجادل ميلر بأن الحجج الداعمة لاتفاق كهذا قد تبدو مغرية: السعودية تملك خصومًا حقيقيين، والولايات المتحدة سبق أن خاضت حربًا دفاعًا عن نفط الخليج، واتفاق دفاعي قد يردع خصوم الرياض. لكن الباحث يصرّ على التحذير: التزام بهذا المستوى مع دولة تفرض سياسات استبدادية قد يُقحم واشنطن في صراعات داخلية محتملة.
كما يشكّك في التهويل المتعلق بالصين، فبرأيه لا تستطيع بكين ملء الفراغ الأمني الأميركي في الخليج، بينما تتغير أولويات واشنطن بمرور الوقت. ولذلك قد يصبح أي اتفاق طويل الأمد عبئًا استراتيجيًا إذا انحرفت السعودية نحو شراكات أخرى.
التطبيع السعودي–الإسرائيلي.. ورقة على الطاولة لا أكثر
يتحدث ميلر بوصفه مفاوضًا سابقًا في مسار السلام العربي–الإسرائيلي، ويقول إن التطبيع بين الرياض وتل أبيب سيكون “حدثًا هائلًا”، لكن أثره يعتمد على ما إذا كان سيقود إلى اندماج إقليمي حقيقي ويتحوّل إلى قناة لحل القضية الفلسطينية. ويرى أن الثمن الذي ستدفعه واشنطن مقابل هذه الصفقة سيكون محدودًا، خصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر التي رفعت سقف المطالب السعودية، بما في ذلك اشتراط تقدّم ملموس نحو دولة فلسطينية.
يعتبر الكاتب أن بن سلمان غير مستعد الآن للدخول في اتفاق تطبيع شامل، لكنه يواصل استخدام “ورقة التطبيع” مع ترامب لتحقيق مكاسب أكبر: اتفاقية دفاع، طائرات F-35، وتكنولوجيا نووية وأشباه موصلات أميركية. وكلما حصل على المزيد، تضاءل حافزه لاتخاذ خطوة علنية تجاه إسرائيل.
ويخلص ميلر إلى أن محمد بن سلمان لا يسعى هذه المرة إلى التطبيع مع إسرائيل، بل يسعى إلى “تطبيع نفسه” في واشنطن. يريد أن يظهر بمظهر القائد الذي خرج من عزلة مرحلة خاشقجي وبات شريكًا طبيعيًا في النظام الدولي. ومع جلوسه إلى جانب ترامب في مأدبة رسمية في البيت الأبيض، تبدو صورة “عودة الأمير إلى الساحة الأميركية” مكتملة، حتى لو لم يُحرّك ملف التطبيع خطوة واحدة.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/11/mbs-saudi-trump-visit-goals-normalization-israel-defense-pact?lang=en

